تعلم علم التنجيم في حالة واحدة !!!!



حكم تعلم علم التنجيم وحالة واحدة مباحة

 
أبو عبدالرحمن أيمن إسماعيل

تعريف " علم التنجيم ":
التنجيم هو أحد أقسام الكهانة، ولذا يسمى بعضهم المنجم كاهناً. وقد اتخذ المنجمون علم النجوم وسيلةً لادّعاء علم الغيب، وادعاء علم الكوائن والحوادث التي ستقع في مستقبل الزمان كأوقات هبوب الرياح ومجيء الأمطار وتغير الأسعار وما في معناها من الأمور التي يزعمون أنها تدرك بمعرفتها بمسير الكواكب والنجوم. 

وأما حكم تعلم هذا الفن من العلوم فهو على تفصيل:
 1) أما كان فيه ادعاء علم الغيب وربط الأشياء وتأثيرها بالتنجيم، وهو ما يسمى " علم التأثير " فهو محرم، وهو ضرب من السحر، عن ابن عباس –رضى الله عنهما-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اقتبس علماً من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد.

 # وقد نص الرافعي والنووي وغيرهما على أن تعلّم السحر وتعليمه حرام، ودرجاته متفاوتة وهذا إن لم يحتج في تعليمه إلى اعتقاد هو كفر، وأما فعله فيحرم إجماعاً، ومن اعتقد إباحته كفر، ولا يظهر السحر إلا على فاسق. 


 فهذا القسم يحرم تعلمه، لأنه ينبني على دعوى علم الغيب، وهذا من الكفر المخرج من الملة.

** فالمحرَّم من علم النجوم إنما هو ما يزعم به أصحابه الاستدلال على الحوادث الأرضية، فيستدل مثلاً باقتران النجم الفلاني بالنجم الفلاني على أنه سيحدث كذا وكذا، وهذه أمور بيِّنة البطلان؛ فإن الأحوال الفلكية لا علاقة بينها وبين الحوادث الأرضية، كما أن قيام المنجّم بالاستدلال على الحوادث والوقائع عن طريق حركات النجوم، وهو من جنس الاستقسام الأزلام. 


 وقد قال تعالى في ذكره للمحرَّمات ﴿  وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ  ﴾ المائدة /3) وقد ورد في حديث الصحيحين، حديث زيد بن خالد عن النبي - صلى الله عليه وسلم – مرفوعاً: ((من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب) فمثل هذا النوع من علم النجوم قد حرّم الشرع تداوله وأخذ الأجرة عليه، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ- رضى الله عنه- «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ» 


وحلوان الكاهن:
 هو ما يعطاه على كهانته، وقد نقل البغوي والقاضي عياض إجماع المسلمين على تحريمه لنهيه صلى الله عليه وسلم عنه.

 ** قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لا يجوز للإمام أن يعطي أحداً لأجل منفعة محرمة، كعطية العرَّافين من الكهان والمنجمين ونحوهم. وقال رحمه الله - ذاماً هؤلاء المنجمين -: فإن هؤلاء الملاعين يقولون الإثم ويأكلون السحت بإجماع المسلمين، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم برواية الصديق عنه أنه قال: ((إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه)) وأي منكر أنكر من عمل هؤلاء الأخابث، سوس الملك، وأعداء الرسل، وأفراخ الصابئة عباد الكواكب؟!!

قال الماوردي: ويمنع المحتسب من يكتسب بالكهانة واللهو، ويؤدب عليه الآخذ والمعطي.


قال ضياء الدين القرشى:
 وأما المنجمون فقد وردت أحاديث دالة على النهي بالاشتغال بهذا العلم، وهو ليس علماً يُعتمد فيه على شيء، بل جعلوه أحبولة لأخذ الرزق، وحينئذ يؤخذ عليهم ألا يجلسوا في درب، ولا زقاق، فإن معظم من يجلس عندهم النسوان، وقد صار في هذا الزمان يجلس عند هؤلاء الكتاب والمنجمين من لا له حاجة عندهم من الشباب، وغيرهم وليس لهم قصد سوى حضور امرأة تكشف نجمها أو تكتب رسالة أو حاجة لها فيشاكلها ويتمكن من الحديث معها بسبب جلوسه وجلوسها ويؤدي ذلك إلى أشياء لا يليق ذكرها، ولو وجد أحداً يفعل ذلك عُزر ليرتدع به غيره. 


2) القسم الثانى: ما يحتاج إليه لمعرفة ما يدرك بالمشاهدة كمعرفة ظل الشمس وجهة القبلة (المباح)، ونحو ذلك، فلا يدخل تحت النهي، وهو ما يسمى "علم التسيير". وقد رخَّص في تعلم المنازل أحمد وإسحاق. وروى ابن المنذر عن مجاهد "أنه كان لا يرى بأسا أن يتعلم الرجل منازل القمر". 

*قال ابن رجب:

المأذون في تعلمه علم التسيير لا علم التأثير، فإنه باطل محرم قليله وكثيره، وأما علم التسيير فيتعلم ما يحتاج إليه من الاهتداء ومعرفة القبلة، والطرق، جائز عند الجمهور. 

* قال البغوي:

والمنهي من علم النجوم ما يدَّعيه أهلها من معرفة الحوادث التي لم تقع في مستقبل الزمان؛ مثل إخبارهم بوقت هبوب الرياح، ومجيء المطر، ووقوع الثلج، وظهور الحر والبرد، وتغيُّر الأسعار ونحوها، يزعمون أنهم يستدركون معرفتَها بسير الكواكب، واجتماعها وافتراقها، وهذا علمٌ استأثر الله - عز وجل - به، لا يعلمه أحد غيره، كما قال الله - سبحانه وتعالى -: ﴿  إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ  ﴾ [لقمان: 34]

فأما ما يُدرَك من طريق المشاهدة من علم النجوم الذي يُعرَف به الزوال وجهة القِبْلة، فإنه غير داخلٍ فيما نهي عنه، قال الله - سبحانه وتعالى -: ﴿  وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ  ﴾ [الأنعام: 97]،

 وقال - جل ذكره -: ﴿  وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ  ﴾ [النحل: 16]، فأخبر الله - سبحانه وتعالى - أن النجوم طرقٌ لمعرفة الأوقات والمسالك، ولولاها لم يهتدِ النائي عن الكعبة إلى استقبالِها. . وعلى هذا يقال: ما ينقل عن أحوال الطقس كل يوم ليس من ادَّعاء علم الغيب؛ بل هي من علم الشهادة؛ لأنَّ الأقمار الصناعية تصور السحاب وحركة المنخفضات والمرتفعات والرياح، وليس في ذلك شبه بدعوى علم الغيب؛ فهو يستند إلى أمور حسية.