دواهي الموت الثلاث

بقلم طه مصطفى


الموت مصيبة من أكبر المصائب وأعظمها فهي القيامة الصغرى للإنسان كما قال الله عز وجل: ﴿ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ ﴾ [المائدة: 106].

وهذه المصيبة تشتمل على ثلاث دواهي:
الداهية الاولى: سكرات الموت.
الداهية الثانية: رؤية ملك الموت أو ملائكة الموت.
الداهية الثالثة: خوف سوء الخاتمة وتبشير الفجار بالنار.

الداهية الأولى: سكرات الموت
لو لم يكن للعبد المسكين كرب ولا هول ولا عذاب سوى سكرات الموت لكانت جديرة بأن تنغص عليه عيشته ويفارقه سهوه وغفلته، فالموت كما قيل:
"كرب بيد سراك لا تدري متي يفشاك"

وعجبت للإنسان لو كان منغمس وملهو باللذات واطيب مجالس اللهو ما انتظر أن يدخل عليه جندي فيضربه خمس خشبات لأفسدت عليه عيشته ولذته. وهو في كل نفس يتنفسه بصدد أن يدخل عليه ملك الموت بسكرات النزاع وهي كما قيل اشد من ضرب بالسيف وقرض بالمقاريض ونشر بالمناشير، لان قطع البدن بالسيف إنما يؤلم لتعلقه بالروح فكيف إذا كان المتناول المباشر الروح!

فسكرات الموت هي أشد ما تكون على الكافر، وأطيب من الريح على المؤمن وربما تكون ثقيلة على المؤمن لتخفف عنه بعض العذاب، وسكرات الموت هي الحقيقة المؤكدة التي لم يسلم منها بشر حتى الأنبياء ولو نجا من سكرات الموت أحد، لكان الأولى أن ينجو منها الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث قال عندما حضره الموت "لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات" وقال  الله تعالى: ﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴾ [ق: 19].

وجاءت كلمة سكرة الموت بمعنى أشد من معنى السكرة وهي الغمرة قال الله تعالى في كتابة العزيز في شأن غمرة الموت: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ ﴾ [الأنعام: 93] وربط الله سبحانه وتعالى غمرات الموت بالظالمين، لأن غمرات الموت أشد، قال عنها العلماء هي شدائد الموت ومكارهه، وهي جمع كلمة غمرة وهي ما يكرهه الانسان، ولا يحب الوصول إليه.

جاءت سكرات الموت بصيغ أخرى في القرآن الكريم منها قول الله تعالى في شأن الموت: ﴿ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ ﴾ [الواقعة: 83]، ﴿ كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ ﴾ [القيامة: 26].

الداهية الثانية: رؤية ملك الموت أو ملائكة الموت:
الوفاة تارة تضاف الي الله عز وجل كما قال تعالى: ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ﴾ [الزمر: 42].

وتارة تضاف الي ملك الموت لمباشرته ذلك كما قال تعالى: ﴿ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴾ [السجدة: 11].

وتارة تضاف الي أعوانه من الملائكة كما قال تعالى: ﴿ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ﴾ [الأنعام: 61].
ولكن المتوفي في الحقيقة هو الله سبحانه وتعالى.

قال الكلبي: يقبض ملك الموت الروح ثم يسلمها الي ملائكة الرحمة إن كان مؤمنا والي ملائكة العذاب إن كان كافرا.

الداهية الثالثة: خوف سوء الخاتمة وتبشير الفجار بالنار:
خوف سوء الخاتمة قطع قلوب العارفين وهو من الدواهي العظيمة عند الموت فأنهم في حال السكرات وقد تخاذلت قواهم واستسلمت للخروج أرواحهم ولن تخرج أرواحهم ما لم يسمعوا نغمة ملك الموت بإحدى البشريين أما ابشر يا عدو الله بالنار، او ابشر يا ولي الله بالجنة.

وروى انا أبا هريره بكي عند موته ثم قال: والله ما ابكي حزنا على الدنيا ولا جزعا من فراقكم ولكن انتظر إحدى البشريين من ربي الجنة ام النار.