البطالة في المفهوم الإسلامي

البطالة في المفهوم الإسلامي

 

حين دعا الإسلام إلى العمل وحث عليه، نهى عن البطالة وهي قعود الرجل فارغًا عن العمل، لأن البطالة تؤدي إلى فساد المجتمع واضطرابه، فعندما يتعطل عدد كبير عن العمل سواء أكانوا مكرهين على ذلك أو كسلاً منهم، ضاعت جهود كبيرة على الأمة كان يمكن أن تنتج وتكسب وتؤدي دورها في تقدم الإنتاج ودفع عجلة الصناعة.
والبطالة مشكلة اقتصادية واجتماعية وإنسانية ذات خطر، فإذا لم تجد العلاج الناجع تفاقم خطرها على الفرد الذي ينتهي به الامر ليسلك طريق الادمان كوسيله للهرب وينتهي حتما بموته او انتحاره.
يقول الراغب الأصفهاني: (من تعطل وتبطل انسلخ من الإنسانية بل من الحيوانية، وصار من جنس الموتى..)([1]).

تعريف البطالة:
البطالة

البطالة في اللغة: بطل الشيء يبطل بُطْلاً وبُطولاً وبُطْلانًا، ذهب ضياعًا وخُسرًا، فهو باطل.
والتبطل: فعل البطالة، وهو اتباع اللهو والجهالة، وبطل الأجير  - بالفتح - يَبْطل بطالة وبِطالة أي تعطل فهو بطَّال.
والبطَّال: الذي لا يجد عملاً([2]).
وقد وردت البطالة بالكسر والفتح والضم، يقول الشيخ عبدالقادر المغربي في كتابه ((عثرات الأقلام في اللغة)): صاحب بطالة: أي عاطل من العمل، ويعثرون فيفتحون الباء.. والحقيقة هي أننا نستطيع أن نقول:
البَطالة - بالفتح -: وردت في الصحاح، الأساس، اللسان، المصباح، القاموس، الوسيط وغيرها.
البطالة - بالكسر -: وردت في اللسان، المصباح، الوسيط، المستدرك، التاج وغيرها.
البُطالة - بالضم -: وردت في المصابح، المد، المتن، الوسيط، وغيرها...)([3]).
ويتبين مما سبق، أن البطالة مصدر بَطَل وبَطُل وتعني عدم توافر العمل للراغبين فيه القادرين عليه.
والمتبع للفظ بطل في القرآن الكريم، وما اشتق منه، يجد أنه ورد قرابة 36 مرة([4]).  
البطالة في الحديث:
أ - حديث: ((إن الله يكره الرجل البطَّال..))([5]).
ب - حديث: ((البطالة تقسي القلب..))([6]).
وغير هذا من الأحاديث، والمتتبع للفظ بطل في الحديث ومشتقاته، يجد أنه ورد قرابة 40 مرة([7]).
البطالة في الفقه:
وردت كثيرًا، وسوف نختار بعض النصوص على سبيل المثال:
أ - يقول صاحب القاموس الفقهي: (بطل العامل بَطالة وبُطالة وبِطالة تعطل فهو بطَّال)([8]).
ب - ويقول ابن نجيم - رحمه الله -: (.. ومنها البطالة في المدارس... وقد اختلفوا في أخذ القاضي ما رتب من بيت المال في يوم بطالته، قال في المحيط: إنه يأخذ في يوم البطالة، وفي المنية: القاضي يستحق الكفاية من بيت المال في يوم البطالة في الأصح)([9]).  
جـ - أما الشيخ الدميري فيقول: (ولذلك كان الشيخ تقي الدين القشيري إذا أبطل يومًا غير معهود البطالة في درسه لا يأخذ لذلك اليوم معلومًا..)([10]). وغير ذلك.
البطالة عند السلف الصالح:
أ - للبيهقي في الشعب من طريق عروة بن الزبير قال: (يقال: ما شر شيء؟ قال: البطالة في العالم)([11]).
ب - ويقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (كسب فيه ريبة - شبهة - خير من عطلة)([12]).
جـ - ويقول ابن وهب: (لا يكون البطال من الحكماء)([13]).
د - ويقول بعض السلف: (سيروا إلى الله عُرْجًا ومكاسير، ولا تنتظروا الصحة، فإن انتظار الصحة بطالة..)([14]). وما إلى ذلك.
البطالة عند العلماء المسلمين:
أ - أبو حامد الغزالي:
قد أحاط الغزالي بمفهوم البطالة، واتساعه ليشمل ما يعرف حديثًا بالبطالة المستترة.. وقد أظهر العلاقة بين البطالة والعديد من الانحرافات والاضطرابات)([15]).
ب - محمد بن عبدالرحمن اليمني الحبشي الوصابي:
يذكر الوصابي حديث رسول الله: ((البطالة تقسي القلب))، ثم يقول: إن البطالة هي الكسل، ويعرِّف الكسل بأنه إما ترك الكسب الحلال أو ترك القيام بأمر الآخرة، ومن تعريفه للبطالة أو الكسل نستطيع أن نشتق تعريفًا للعمل، وهو: العمل لكسب الحلال، أو القيام بأمر الآخرة.
والمعنى الذي أريد الإشارة إليه في هذا الحديث هو أن هذا الحديث يشرح لنا سلوك المتعطلين في المجتمعات الحديثة.
جـ - ابن سيناء:
يعتبر ابن سيناء من أوائل رواد الاقتصاد الذين بحثوا موضوع العمالة الكاملة، وطالبوا الدولة بأن تبذل قصارى جهدها لتشغيل أكبر عدد من أفراد الدولة حتى لا يبقى الناس بدون عمل.
وفي هذا يقول ابن سيناء في كتابه ((الشفاء)): (من واجب الحاكم أن يحرِّم البطالة والتعطل، فلا يكون في المدينة إنسان معطل ليس له مقام محدود، بل يكون لكل واحد منهم منفعة في المدينة).
وقد عرف ابن سيناء أن إيجاد عمل لكل شخص يقف في سبيل تحقيقه بعض الموانع([16]).
هذه بعض أقوال العلماء المسلمين في البطالة..




([1]) الراغب الأصفهاني، الذريعة إلى مكارم الشريعة، دار الصحوة، دار الوفاء، المنصورة، دون تاريخ، ص(382).
([2]) ينظر في ذلك:
أ = ابن منظور، لسان العرب، نشر دار بيروت، دار صادر، بيروت، 1388هـ، (11/56).
ب - الفيومي، المصباح المنير، المكتبة العلمية، بيروت، دون تاريخ، (1/51- 52).
([3]) محمد العدناني، معجم الأغلاط اللغوية المعاصرة، نشر مكتبة لبنان، بيروت، 1984م، (ص5).
([4]) محمد عبدالباقي، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، نشر دار الدعوة، تركيا، 1404هـ، (ص123).
([5]) ينظر في ذلك:
أ - العجلوني، كشف الخفاء، نشر مؤسسة الرسالة، بيروت 1405هـ، (1/291).
ب - السخاوي، المقاصد الحسنة، نشر دار الكتب العلمية، بيروت 1399هـ، (ص126).
([6]) العجلوني، كشف الخفاء، (1/532).
([7]) مجموعة مستشرقين، المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي، نشر مكتبة بريل ليدن، 1936م، (1/189).
([8]) سعدي أبو جيب، القاموس الفقهي، دار الفكر، دمشق 1402هـ، (ص38).
([9]) ابن نجيم، الأشباه والنظائر، نشر دار الكتب العلمية، بيروت 1400هـ، (ص95- 102).
([10]) خالد الجميلي، الجعالة وأحكامها في الشريعة الإسلامية والقانون، عالم الكتب، بيروت 1406هـ، (ص143).
([11]) ينظر: أ - العجلوني، كشف الخفاء، (1/291).
ب - السخاوي، المقاصد الحسنة، (ص126).
([12]) د. يوسف القرضاوي، الاقتصاد الإسلامي، بحوث مختارة من المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي، مكة المكرمة 1396هـ، (ص230).
([13]) ينظر: أ - العجلوني، كشف الخفاء، (1/291)، (2/422).
ب - السخاوي، المقاصد الحسنة، (ص446).
([14]) ينظر: أ - العجلوني، كشف الخفاء، (1/291)، (2/422).
ب - السخاوي، المقاصد الحسنة، (ص446).
([15]) ينظر في ذلك:
أ - أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين، نشر دار الندوة الجديدة، بيروت، (3/228).
ب - د. شوقي دنيا، أعلام الاقتصاد الإسلامي، مكتبة الخريجي، الرياض 1404هـ (ص155- 159).
([16]) ينظر في ذلك:
أ - محمد عاشور، رواد الاقتصاد العرب، دار الاتحاد العربي، 1974م، (ص100).
ب - فكري نعمان، مرجع سابق، (ص87).

البطالة في الفكر الاسلامي من خلال تعريف البطالة عند السلف والصحابة واقار البطالة واسباب البطالة