لفظ الشيعة في القرآن ومعناه


لفظ الشيعة في القرآن ومعناه

 
ومادة شيع وردت في كتاب الله العظيم في اثني عشر موضعاً[1]، وقد أجمل ابن الجوزي[2]. معانيها بقوله: "وذكر أهل التفسير أن الشيع في القرآن على أربعة أوجه:

أحدها: الفرق، ومنه قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا ﴾. وقوله: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأَوَّلِينَ ﴾. وقوله: ﴿ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا ﴾[3]. وقوله: ﴿ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ﴾.

والثاني: الأهل والنسب، ومنه قوله تعالى: ﴿ هاَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ ﴾[4]. أراد من أهله في النسب إلى بني إسرائيل.

والثالث: أهل الملة، ومنه قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ ﴾، وقوله: ﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ ﴾، وقوله: ﴿ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم ﴾. وقوله: ﴿ إِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ ﴾.

والرابع: الأهواء المختلفة، قال تعالى: ﴿ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً ﴾." [5].

ويشير ابن القيم [6]- رحمه الله - في نص مهم له إلى أن لفظ الشيعة والأشياع غالباً ما يستعمل في الذم، ويقول: ولعله لم يرد في القرآن إلا كذلك، كقوله تعالى: ﴿ ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا ﴾، وكقوله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا ﴾، وقوله: ﴿ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ ﴾ . ويعلل ابن القيم لذلك بقوله: "وذلك والله أعلم لما في لفظ الشيعة من الشياع، والإشاعة التي هي ضد الائتلاف والاجتماع، ولهذا لا يطلق لفظ الشيع إلا على فرق الضلال لتفرقهم واختلافهم"[7].

هذه ألفاظ الشيعة في كتاب الله ومعانيها، وهي لا تدل على الاتجاه الشيعي المعروف، وهذا أمر يدرك بداهة، ولكن الغريب في الأمر أن نجد عند الشيعة اتجاهاً يحاول ما وسعته المحاولة أو الحيلة أن يفسر بعض ألفاظ الشيعة الواردة في كتاب الله بطائفته، ويؤول كتاب الله على غير تأويله، ويحمل الآيات ما لا تحتمل تحريفاً لكتاب الله وإلحاداً فيه، فقد جاء في أحاديثهم في تفسير قوله سبحانه: ﴿ إِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ ﴾. قالوا: أي إن إبراهيم من شيعة علي[8]، وهذا مخالف لسياق القرآن، وأصول الإسلام، وهو نابع عن عقيدة غلاة الروافض الذين يفضلون الأئمة على الأنبياء[9]، فهذا التأويل أو التحريف يجعل خليل الرحمن أفضل الرسل والأنبياء بعد محمد صلى الله عليه وسلم، يجعله من شيعة علي.... وهو أمر يعرف بطلانه من الإسلام بالضرورة، كما هو باطل بالعقل، والتاريخ.. وهو من وَضع وضَّاع لا يحسن الوضع.. ولا يعرف كيف يضع.

والذي قاله أهل السنة في تفسير الآية والمنقول عن السلف أن إبراهيم من شيعة نوح عليه السلام وعلى منهاجه وسنته [10]. وهذا التفسير هو الذي يتمشى مع سياق الآية [11]، لأن الآيات التي قبل هذه الآية كانت في نوح عليه السلام، ويلاحظ أن مفسري الشيعة من أخذ بقول أهل السنة، وأعرض عما قاله قومه في تأويل الآية[12]




[1] انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن ص 18
[2] أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي التيمي البغدادي، المعروف بابن الجوزي، صاحب التصانيف الكثيرة في التفسير والحديث والفقه وغيرها، منها: جامع المسانيد، والمنتظم وغيرهما، توفي عام 597هـ. انظر: ابن العماد/ شذرات الذهب: 4/329، اليافعي/ مرآة الجنان: 3/489 -492، معجم المؤلفين: 5/157
[3] القصص، آية: 4، قال ابن جرير الطبري ﴿ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا ﴾ يعني بالشيع: الفرق، تفسير الطبري: 20/27، وانظر أبو عبيدة/ مجاز القرآن: 1/194
[4] القصص، آية: 15، قال ابن قتيبة: ومعنى ﴿ هَذَا مِن شِيعَتِهِ ﴾ أي: من أصحابه بني إسرائيل (تفسير غريب القرآن ص329)، وانظر: أبو حيان/ تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب ص: 153
[5] ابن الجوزي/ نزهة الأعين النواظر: 376-377، وزاد الدامغاني وجهاً خامساً وهو: الشيع والإشاعة، واستشهد لهذا بقوله سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ يعني أن تفشو الفاحشة، كما أن ابن الجوزي ذكر في الوجه الثاني أن من معاني الشيع الأهل والنسب، واستشهد لها بقوله سبحانه: ﴿ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ ﴾، بينما نجد الدامغاني ذكر أن من معاني الشيعة: الجيش، واستدل لذلك بنفس الآية. وقد اتفقا فيما سوى ذلك من معاني التشيع. (انظر: الدامغاني / قاموس القرآن ص 271، تحقيق عبد العزيز الأهل)
[6] محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي، المعروف بابن قيم الجوزية، توفي سنة 751هـ، وله من التصانيف الكبار والصغار شيء كثير، منها: إعلام الموقعين، وزاد المعاد
[7] بدائع الفوائد: 1/155. وهذا في الغالب لأنه ورد في القرآن: ﴿ إِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ ﴾
[8] البحراني/ تفسير البرهان: 4/20، وانظر: تفسير القمي: 2/323، المجلسي/ بحار الأنوار: 68/12-13، عباس القمي/ سفينة البحار: 1/732، البحراني/ المعالم الزلفى ص: 304، الطريحي/ مجمع البحرين: 2/356، وقد نسبوا هذا التفسير - كذباً وافتراءً - إلى جعفر الصادق، ودينه وعلمه ينفيان ذلك
[9] انظر: البغدادي/ أصول الدين ص: 298، القاضي عياض/ الشفاء ص: 290، ابن تيمية/ منهاج السنة: 1/177
[10] انظر: تفسير الطبري: 23/69، تفسير ابن كثير: 4/13، تفسير القرطبي: 15/91، ابن الجوزي/ زاد المسير: 7/67
[11] وهناك قول ضعيف في الآية نسب إلى الفراء بأن المعنى وإن من شيعة محمد لإبراهيم. قال الشوكاني: ولا يخفى ما في هذا من الضعف والمخالفة للسياق (فتح القدير: 4/401) وقال الألوسي: "وذهب الفراء إلى أن ضمير (شيعته) لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والظاهر ما أشرنا إليه (وهو أن يعود على نوح عليه السلام) وهو المروي عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والسدي، وقلما يقال للمتقدم: هو شيعة للمتأخر (روح المعاني: 23/ 99-100) .
 [12] الطبرسي / مجمع البيان: 5/67
       

من هم الشيعة ومتي ظهروا ومتى ظهر لفظ التشيع