الصحابي عمرو بن العاص رضي الله عنه فاتح مصر



بايع يا عمرو فإن الإسلام يَجُبُّ ما كان قبله

كان الصحابي عمرو بن العاص رضي الله عنه شديد الإيذاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه أيضًا، وهو من الثلاثة الذين كانوا متربصين للرسول صلى الله عليه وسلم ومنهم أبو جهل وأبو لهب وعمرو، حتى وصل الأمر بالنبي أنه كان سيدعو عليهم لينزل الله عليهم العقاب ولكن نزل الوحي بقوله تعالى﴿  لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ مِنْ شيء أوْ يتوبَ عليهم ﴾ وكـف الرسول الكريم عن الدعاء عليهم وترك أمرهـم الى الله، واختار اللـه للصحابي لعمرو بن العاص طريق التوبة، فأسلم وأصبح مناضل وقائد فذ..


إسلامه:
 أسلم الصحابي عمرو بن العاص مع (خالد بن الوليد) قُبيل فتح مكة بقليل في شهر صفر سنة ثمان للهجرة وبدأ إسلامه على يد النجاشي بالحبشة ففي زيارته الأخيرة للحبشة جاء ذكر النبي الجديد ودعوته وما يدعو له من مكارم الأخلاق، وسأل النجاشي عمرا كيف لم يؤمن به ويتبعه وهو رسول الله حقاً، فسأل عمرو النجاشي: ( أهو كذلك ؟).
أجابه النجاشي: ( نعم، فأطِعْني يا عمرو واتبعه، فإنه والله لعلى الحق، ولَيَظْهرنّ على من خالفه ).

وركب عمرو من فوره عائدا لبلاده ومتجها الى المدينة ليسلم لله رب العالمين، وفي طريق المدينة التقى الصحابي ( خالد بن الوليد ) الساعي الى الرسول ليعلن إسلامه أيضا، وما كاد الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يراهم حتى تهلل وجهه و قال لأصحابه: ( لقد رَمَتْكم مكة بفَلَذات أكبادها ).

 مُحَرِّر مِصْر:
 كانت مصر من أهم ولايات الإمبراطورية الرومانية، وقد استغل الروم ثرواتها وحرموا منها السكان واستباحوا أهلها حتى أصبح الناس في ضيق، فلما بلغ المصريون أنباء الفتوحات الإسلامية وعدالة المسلمين وسماحتهم تطلعت أنظارهم إليهم لتخليصهم، واتجه الصحابي عمرو بن العاص سنة (18 هجري) على رأس جيش من أربعة آلاف مقاتل متجها الى مصر وبعد حصار استمر لفترة سبعة أشهر أستطاع عمرو مع جيش المسلمين من فتح حصن بابليون.
 
الصحابي عمرو بن العاص رضي الله عنه فاتح مصر

 وفتحت الإسكندرية وعقدت معاهدة الإسكندرية، ولقد كان الصحابي عمر بن العاص حريصا على أن يباعد أهل مصر وأقباطها عن المعركة، ليظل القتال محصورا بينه وبين جنود الرومان، وتحدث عمرو مع زعماء الأنصار وكبار أساقفتهم وعقد الصلح معهم.

 حُبِّ عمرو بن العاص الإمارة:
مما امتاز به عمرو بن العاص حُبّه للإمارة، حتى أن في أحد الأيام رآه أمير المؤمنين عمر وهو مقبل فابتسم لِمَشْيَته وقال: (ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلا أميرا).

فمع كل الأحداث الخطرة التي اجتاحت المسلمين، كان الصحابي عمرو يتعامل معها بأسلوب أمير معه من الذكاء والدهاء ما يجعله واثقا بنفسه مُعْتَزا بتفوقه، وقد أولاه عمر بن الخطاب ولاية فلسطين والأردن، ثم على مصر طوال حياة أمير المؤمنين، وعندما علم ابن الخطاب أن عمرو قد أصبح في رخاء من معيشته فأرسل إليه محمد بن مَسْلمة، كان أمير المؤمنين عمر يعلم أن عمرو بن العاص محبا للإمارة لكنه كان يعلم أيضا أنه لا يفرط في المسئولية الملقاه على عاتقه والا لما ولاة الإمارة.

 ذكاؤه ودهاؤه:
 كان الصحابي عمـرو بن العاص حاد الذكاء، حتى أن أمير المؤمنين عمـر كان إذا رأى إنسانا عاجز الحيلة، صـكّ كفيه عَجبا وقال: ( سبحان الله! إن خالق هذا وخالق عمرو بن العاص إله واحد ) وكان عمر بن الخطاب يعرف ذلك فيه، وعندما أرسله الى الشام قيل له: ( إن على رأس جيوش الروم بالشام أرطبونا ).
ومن اشهر المواقف التي دللت على ذكاء عمرو هو موقفه من قائد حصن بابليون والتحكيم بين علي ومعاوية.
 الصحابي عمرو بن العاص رضي الله عنه فاتح مصر

 حصن نابليون:
 أثناء حربه مع الرومان في مصر، دعاه أرطبون الروم وقائدهم لمحادثته، وكان قد أعطى أوامره لرجاله بإلقاء صخرة فوق عمرو إثر إنصرافه من الحصن، ودخل عمرو على القائد لا يخاف منه شيء، ولكن بنظرته لمح حركات مريبة في أسوار الحصن وتصرف بحنكه ودهاء، حيث قابل امير بابليون مرة أخرى، وقال له: ( لقد بادرني خاطر أردت أن أطلعك عليه، إن معي حيث يقيم أصحابي جماعة من أصحاب الرسول السابقين الى الإسلام، لا يقطع أمير المؤمنين أمرا دون مشورتهم، ولا يرسل جيشا من جيوش الإسلام إلا جعلهم على رأس مقاتلته وجنوده، وقد رأيت أن آتيك بهم حتى يسمعوا منك مثل الذي سمعت، ويكونوا من الأمر على مثل ما أنا عليه من بيّنة ).

الصحابي عمرو بن العاص رضي الله عنه فاتح مصر

وأدرك قائد حصن بايليون أن عمرو قد منحه فرصة العمر، ولا بد أن يوافقه الرأي، فألغيت خطة اغتيال عمرو، وودّع عمرو بحرارة، وابتسم داهية العرب وهو يغادر الحصن.

 وفاته:
 في السنة الثالثة والأربعين من الهجرة، أدركت الوفاة الصحابي  الجليل عمرو بن العاص بمصر حيث كان واليا عليها، وراح يستعرض في لحظات الرحيل حياته، ظل في ضراعاته حتى صعدت روحه الى الله وتحت ثَرَى مصر ثَوَى رُفاتُه.